شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحوّلات جذرية وشاملة شملت مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان للمرأة السعودية نصيب وافر من هذا التقدم، حيث شكّل تمكينها إحدى الركائز الأساسية لرؤية المملكة 2030. ويتزامن الحديث عن إنجازات المرأة السعودية مع مناسبة يوم المرأة العالمي، الذي يمثل منصة عالمية للاعتراف بجهود النساء في صنع مستقبل أكثر عدلاً وتوازناً. في هذا السياق، يُعدّ ازدهار المرأة السعودية مثالًا حيًا على نجاح الإصلاحات وثمار السياسات التنموية التي وضعتها المملكة للنهوض بالمجتمع بأكمله.
التحولات التشريعية والاجتماعية
من أبرز معالم تمكين المرأة السعودية، التحولات التشريعية التي أرست دعائم المساواة والعدالة وفتحت أمامها أبواب المشاركة الكاملة في الحياة العامة. فقد تم تعديل العديد من الأنظمة والقوانين التي كانت تُقيّد من مشاركتها، مثل نظام الولاية على المرأة، والسماح لها بقيادة السيارة منذ عام 2018، إلى جانب إتاحة فرص العمل في قطاعات كانت حكرًا على الرجال سابقًا، مثل الأمن، السياحة، الطيران، والهندسة.
كما ساهم إنشاء “مجلس شؤون الأسرة” و”هيئة حقوق الإنسان” ومبادرات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في تأطير هذا التمكين ضمن استراتيجية مؤسساتية واضحة المعالم، تضع المرأة في قلب التنمية المستدامة.
التعليم أساس التمكين
لعب التعليم دورًا حاسمًا في صياغة ملامح المرأة السعودية المعاصرة. فقد وصلت نسبة الإناث في التعليم الجامعي إلى أكثر من 51%، وبرزت المرأة السعودية في مجالات متنوعة مثل الطب، القانون، الإدارة، وتقنية المعلومات، بل وتفوقت في بعض التخصصات على الذكور من حيث نسب التخرج والتميز الأكاديمي.
وقد توسعت البرامج الحكومية لتشمل الابتعاث الخارجي، حيث درست آلاف السعوديات في أرقى الجامعات العالمية، مما أكسبهن خبرات نوعية ومعارف متقدمة أسهمت في بناء مجتمع المعرفة والابتكار داخل المملكة.
المشاركة الاقتصادية والسياسية
في إطار رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30% بحلول عام 2030، وفّرت الحكومة بيئة عمل محفزة ومناسبة للمرأة، تشمل قوانين مكافحة التمييز في بيئة العمل، وتسهيلات العمل عن بُعد، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تديرها نساء. وقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في عدد رائدات الأعمال السعوديات، إلى جانب تزايد عدد النساء في المناصب القيادية داخل المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى.
أما على الصعيد السياسي، فقد دخلت المرأة إلى عضوية مجلس الشورى، والمجالس البلدية، كما تم تعيين نساء في مناصب دبلوماسية ومناصب عليا في الهيئات الرسمية، مما شكّل خطوة كبيرة نحو تحقيق التوازن في صناعة القرار.
المرأة السعودية في العلوم والابتكار
برزت أسماء سعودية نسائية لامعة في مجال العلوم والتقنية والبحث العلمي، من أبرزهن الدكتورة حياة سندي، العالمة في التقنية الحيوية، والدكتورة غادة المطيري، الباحثة في طب النانو، والعديد من النساء اللواتي حصدن جوائز دولية مرموقة. وقد استثمرت المملكة في إنشاء مراكز أبحاث متقدمة، ودعمت مشاركة النساء فيها، ما مهّد الطريق لنهضة معرفية متينة تقودها كوادر نسائية مؤهلة.
الإعلام والفنون: صوت نسائي جديد
ساهم الانفتاح الإعلامي والثقافي في تعزيز صورة المرأة السعودية الجديدة، حيث أصبحت حاضرة في الإعلام، السينما، المسرح، والإنتاج الثقافي. ولم يعد من الغريب أن نجد مخرجات وكاتبات ومقدمات برامج سعوديات يحققن حضورًا محليًا ودوليًا لافتًا. كما تم إنشاء هيئات وهيئات عامة للثقافة والترفيه تهدف إلى تمكين المرأة في هذا المجال، وضمان مشاركة حقيقية في صياغة الهوية الثقافية للمملكة.
الرياضة: حضور نسائي بارز
قبل سنوات قليلة، لم يكن يُسمح للمرأة السعودية بالمشاركة في الأنشطة الرياضية العامة، أما اليوم فقد أصبحت لاعبات سعوديات ينافسن على المستويات الإقليمية والدولية، وشاركن في دورات الألعاب الأولمبية. وقد تم تأسيس أندية رياضية نسائية، وفتح المجال أمام المرأة للعمل في مجالات التدريب والتحكيم والإدارة الرياضية، مما عزز من فرص تمثيل المملكة عالميًا بطريقة مشرفة.
الأثر المجتمعي والنفسي
لم يقتصر تمكين المرأة السعودية على الجوانب القانونية أو الاقتصادية، بل شمل البعد النفسي والاجتماعي، حيث أصبحت أكثر وعيًا بحقوقها، وأكثر قدرة على اتخاذ قراراتها الحياتية باستقلالية. وقد أثمرت هذه التحولات عن ارتفاع في مؤشرات جودة الحياة، وانخفاض معدلات العنف الأسري، وتوسّع دوائر التأثير النسائي داخل الأسرة والمجتمع.
المرأة السعودية والعمل الخيري والاجتماعي
احتفظت المرأة السعودية بمكانتها المحورية في مجال العمل الخيري والاجتماعي، حيث تدير العديد من الجمعيات الخيرية، وتشارك في حملات التوعية الصحية والتعليمية، وتسهم في جهود الدعم الإنساني والإغاثي داخل المملكة وخارجها. وقد تم توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل النساء في أوضاع هشة، وتوفير الدعم الكافي لتمكينهن من الاعتماد على الذات.
تحديات مستمرة ومسارات مستقبلية
رغم التقدم الملموس، لا تزال هناك تحديات تتطلب المزيد من الجهد، مثل القضاء على بعض الأنماط الاجتماعية السلبية، وتحقيق تمثيل أكبر للمرأة في بعض القطاعات، وضمان تطبيق شامل للتشريعات الجديدة في مختلف المناطق. إلا أن الإصرار الحكومي والمجتمعي على مواصلة مسيرة التمكين يؤكد أن المستقبل يحمل المزيد من الإنجازات.
جدول يوضح تطور مشاركة المرأة السعودية
| المجال | قبل 2015 | بعد 2015 (حتى 2025) |
|---|---|---|
| قيادة السيارة | غير مسموح | مسموح رسميًا منذ 2018 |
| العمل في قطاعات الأمن | غير ممكن | متاح رسميًا |
| التعليم العالي | محدود التخصصات | متنوع وواسع، مع ابتعاث دولي واسع |
| المشاركة السياسية | محدودة | مجلس الشورى، سفارات، مجالس بلدية |
| رخص تأسيس الشركات | تتطلب وكيلًا رجلًا | متاحة مباشرة للمرأة |
| الرياضة النسائية | محظورة علنًا | مشاركة في الأولمبياد والدورات الدولية |
| القوانين الأسرية | ولاية إلزامية | تخفيف أو إلغاء القيود |
الخلاصة
إن احتفال المملكة العربية السعودية بيوم المرأة العالمي لا يأتي من باب التقليد أو المجاملة، بل يعكس واقعًا جديدًا ومرحلة ناضجة من مسيرة التنمية، حيث أصبحت المرأة السعودية شريكًا حقيقيًا في بناء وطنها، وصانعة للقرار، ومحركًا للتغيير. وهذا التحول لا يقتصر على المدن الكبرى، بل يمتد إلى جميع المناطق، حاملاً معه رسالة واضحة: أن المرأة السعودية، بدعم دولتِها، قادرة على الازدهار في جميع الميادين، والمساهمة في تحقيق تطلعات الوطن نحو مستقبل مشرق ومتوازن.
المصادر والمراجع:
-
رؤية السعودية 2030 – vision2030.gov.sa
-
وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية
-
الهيئة العامة للإحصاء
-
هيئة حقوق الإنسان السعودية
-
تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي حول الفجوة بين الجنسين
-
منظمة الأمم المتحدة للمرأة – UN Women
-
الصحافة السعودية الرسمية (الشرق الأوسط، عكاظ، سبق)
